19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 17 من شوال 1445هـ - الموافق 26 / 4  /  2024م

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 17 من شوال 1445هـ - الموافق 26 / 4 / 2024م

26 أبريل 2024

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 17 من شوال 1445 هـ - الموافق 26 / 4 /2024 م

آدَابُ الْمَجَالِسِ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(  [الأحزاب:70 – 71].

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ الْإِنْسَانَ اجْتِمَاعِيٌّ بِطَبْعِهِ، يَأْنَسُ بِغَيْرِهِ مِنْ بَنِي جِنْسِهِ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْأَى عَنْهُمْ وَيَعِيشَ مُنْفَرِدًا بِنَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لَا بُدَّ لَهُ- بِحَسَبِ طَبِيعَتِهِ- مِنْ أَنْ يُخَالِطَ النَّاسَ وَيُجَالِسَهُمْ؛ لِيَأْنَسَ بِهِمْ وَيَتَبَادَلَ الْآرَاءَ وَالْأَفْكَارَ وَالْعُلُومَ وَالْمَعَارِفَ مَعَهُمْ، وَلَمَّا كَانَتْ مُجَالَسَةُ النَّاسِ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا مَحِيدَ عَنْهَا؛ فَقَدْ وَضَعَ لَهَا الشَّرْعُ الْحَنِيفُ آدَابًا تَحْفَظُ سِيَاجَهَا، وَتُقَوِّمُ اعْوِجَاجَهَا، وَتُرْشِدُ الْجُلَسَاءَ إِلَى أَحْسَنِ السُّبُلِ، وَتُوَجِّهُهُمْ إِلَى خَيْرِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ لِتَكُونَ لَهُمْ أُنْسًا وَمَنْفَعَةً فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلِئَلَّا تَكُونَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ الْآدَابِ الَّتِي شَرَعَهَا الْإِسْلَامُ لِلْمَجَالِسِ: أَنْ يَخْتَارَ الْمَرْءُ الْجُلَسَاءَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَنْفَعُونَهُ فِي دِينِهِ قَبْلَ دُنْيَاهُ، وَيَقُومُونَ بِحَقِّهِ إِذَا حَضَرَ، وَيَدْعُونَ لَهُ وَيَحْفَظُونَهُ إِذَا غَابَ، وَقَدْ أَرْشَدَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، وَاجْتِنَابِ جُلَسَاءِ السُّوءِ الْغَافِلِينَ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».

وَمِنَ الْآدَابِ: أَنْ لَا يَغْشَى مَجْلِسًا فِيهِ مُنْكَرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ وَلَا إِنْكَارِهِ؛ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِذَاكَ الْمُنْكَرِ أَوْ يَكُونَ شَرِيكًا لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ حَذَّرَنَا الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ تَحْذِيرًا شَدِيدًا؛ فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].

عِبَادَ اللهِ:                                             

وَمِنْ آدَابِ الْمَجَالِسِ: اجْتِنَابُ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ، وَيَطَّلِعَ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَلِكَيْلَا يَتَأَذَّى بِمَا قَدْ يَرَى أَوْ يَسْمَعُ مِنْ مُنْكَرَاتٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْجُلُوسِ فِيهَا؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ الطَّرِيقَ حَقَّهُ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: «إِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُـولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

وَمِنْهَا أَيْضًا: أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ إِذَا دَخَلَ، وَأَنْ يَجْلِسَ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ]. وَمِنْهَا: التَّوْسِعَةُ فِي الْمَكَانِ لِلدَّاخِلِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ[  [المجادلة:11]. وَلَكِنْ لَا يُقَامُ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لِيَجْلِسَ غَيْرُهُ فِيهِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ آخَرُ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا». وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا النَّهْيِ: مَنْعُ اسْتِنْقَاصِ حَقِّ الْمُسْلِمِ الْمُثِيرِ لِلضَّغَائِنِ، وَالْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ الْمُقْتَضِي لِلْمَوَدَّةِ، وَأَيْضًا فَالنَّاسُ فِي الْمُبَاحِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، فَمَنْ سَبَقَ إِلَى شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ، وَمَنِ اسْتَحَقَّ شَيْئًا فَأُخِذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ غَصْبٌ، وَالْغَصْبُ حَرَامٌ.

وَلَا يَحِلُّ لِلدَّاخِلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مُتَجَاوِرَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ]. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: «لَا يُجْلَسُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا».

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْوَحْيَيْنِ، وَوَفَّقَنَا لِهَدْيِ سَيِّدِ الثَّقَلَيْنِ، أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت